الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **
ومشاركتهم في صلاة الجماعة قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى وتقدس ) وفي الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج " أنهم كلاب أهل النار " وقرأ هذه الآية ) وقد خرجها مسلم في صحيحه وخرج البخاري طائفة منها. قال النبي صلى الله عليه وسلم " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم. وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم. يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية - وفي رواية - يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ". والخوارج هم أول من كفر المسلمين بالذنوب. ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله. وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم في بدعتهم. وأهل السنة وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فعاقب الطائفتين. أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار وطلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر. وروي عنه من وجوه كثيرة أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. ورواه عنه البخاري في صحيحه.
ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات لا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم فإن كان الإمام مستوراً لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلي خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة أنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهله العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد. وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل الإسلام بلا خلاف عندهم. وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعفه على سبيل الاستحباب كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله. ولم يقل أحد أنه لا تصح إلى خلف من عرف حاله. ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية - أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك ثم بعد موته فتحها ملوك السنة قبل صلاح الدين وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة ثم صار العلم والسنة يكثر بها ويظهر. فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد كان يشرب الخمر وصلى مرة الصبح أربعاً وجلده عثمان بن عفان على ذلك. وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف. وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد وداعياً إلى الضلال.
ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال ) والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين. واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار. ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم. وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم فلا يحل لإحدى هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ. والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه. والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " وقال صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه " وقال صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله " وقال " إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال " أنه أراد قتل صاحبه " وقال " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " وقال " إذا قال المسلم لأخيه لا كافر فقد باء بها أحدهما " وهذه الأحاديث كلها في الصحاح. وإذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة " يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق " فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وهذا في الصحيحين. وفيهما أيضاً: من حديث الأفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: أنك منافق تجادل عن المنافقين واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم أنك منافق ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا بل شهد للجميع بالجنة. وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلاً بعد ما قال لا إله إلا الله وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال " يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله " وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. ومع هذا لم يوجب عليه قوداً ولا دية ولا كفارة لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذاً. فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضاً من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى ) ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين لا يعادون كمعاداة الكفار فيقبل بعضهم شهادة بعض ويأخذ بعضهم العلم من بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه " أن لا يهلك أمته بسنة عامة أعطاه ذلك وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطاه ذلك وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك " وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي بعضاً. وثبت في الصحيحين لما نزل قوله ) هذا ما أن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن البدعة والاختلاف وقال ) وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح " يؤم القوم أقرأم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة. فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة. فإن كان في الهجرة سواء فأقدمهم سناً " وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً وكان قد رد بدعة ببدعة. حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع ولم يأمر الله تعالى قط أحداً إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان صح قولي العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله والمحبوس وذوو الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته. وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلاً بوجوبها لم يأمره بالقضاء فعمرو وعمار لما أجنبا وعمرو لم يصل وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء وأبو ذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى ) وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل يثبت وقيل لا يثبت وقيل يثبت المبتدأ دون الناسخ. والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى ) فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر بل قد جعل الله لكل شيء قدراً.
أجمع المسلمون على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإن ذلك حق يجزم به المسلمون يقطعون به ولا يرتابون وكل ما علمه المسلم وجزم به فهو يقطع به وإن كان الله قادراً على تغييره فالمسلم يقطع بما يراه ويسمعه ويقطع بأن الله قادر على ما يشاء وإذا قال المسلم أن أقطع بذلك فليس مراده أن الله لا يقدر على تغييره بل من قال أن الله لا يقدر على مقل إماتة الخلق وإحيائهم من قبورهم وعلى تسيير الجبال وتبديل الأرض غير الأرض فإنه يستتاب والذين يكرهون لفظ القطع من أصحاب أبي عمرو بن مرزوق هم قوم أحدثوا ذلك من عندهم ولم يكن هذا الشيخ ينكر هذا ولكن أصل هذا أنهم كانوا يستثنون في الإيمان كما نقل ذلك عن السلف فيقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله ويستثنون في أعمال البر فيقول أحدهم: صليت إن شاء الله. ومراد السلف من ذلك الاستثناء كونه لا يقطع بأنه فعل الواجب كما أمر الله ورسوله فيشك في قبول الله لذلك فاستثنى ذلك أو للشك في العاقبة أو يستثني لأن الأمور جميعها إنما تكون بمشيئة الله كقوله تعالى ) وكان أولئك يمتنعون عن القطع في مثل هذه الأمور ثم جاء بعدهم قوم جهال فكرهوا لفظ القطع في كل شيء ورووا في ذلك أحاديث مكذوبة وكل من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو واحد من علماء المسلمين أنه كره لفظ القطع في الأمور المجزوم بها فقد كذب عليه. وصار الواحد من هؤلاء يظن أنه إذا أقر بهذه الكلمة فقد أقر بأمر عظيم في الدين وهذا جهل وضلال من هؤلاء الجهال لم يسبقهم إلى هذا أحد من طوائف المسلمين ولا كان شيخهم أبو عمرو بن مرزوق ولا أصحابه في حياته ولا خيار أصحابه بعد موته يمتنعون من هذا اللفظ مطلقاً بل إنما فعل هذا طائفة من جهالهم. كما أن طائفة أخرى زعموا أن من سب الصحابة لا يقبل الله توبته وإن تاب ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سب أصحاب ذنب لا يغفر " وهذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شيء من كتبهم المعتمدة وهو مخالف للقرآن لأن الله تعالى قال ) وقال في حق التائبين ) ومعلوم أن من سب الرسول من الكفار المحاربين وقال: هو ساحر أو شاعر أو مجنون أو معلم أو مفتر وتاب تاب الله عليه. وقد كان طائفة يسبون النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الحرب ثم أسلموا وحسن إسلامهم وقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم: منهم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن سعد بن أبي صرح وكان قد ارتد وكان يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا كنت أعلمه القرآن ثم تاب وأسلم وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وإذا قيل: سب الصحابة حق لآدمي: قيل: المستحل لسبهم كالرافضي يعتقد ذلك ديناً كما يعتقد الكافر سب النبي صلى الله عليه وسلم ديناً. فإذا تاب وصار يحبهم ويثني عليهم ويدعو لهم محا الله سيئاته بالحسنات. ومن ظلم إنساناً فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبل الله توبته. لكن إن عرف المظلوم مكنه من أخذ حقه وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد: أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك. وقد قيل بل يحسن غليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته. كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. فإذا كان الرجل قد سب الصحابة أو غير الصحابة وتاب فإنه يحسن إليهم بالدعاء لهم والثناء عليهم بقدر ما أساء إليهم والحسنات يذهبن السيئات. كما أن الكافر الذي كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أنه كاذب إذا تاب وشهد أن محمداً رسول الله الصادق المصدوق وصار يحبه ويثني عليه ويصلي عليه كانت حسناته ماحية لسيئاته والله تعالى ) آخر كلام شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه الزكية وأسكننا وإياه بمنه الغرف العلية. وصلى الله على محمد وصحبة وسلم. في وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤجرات من تحقيقات شيخ الإسلام ابن تيميةقدس الله سر منقول من الجزء الحادي والثلاثين من كتاب الكواكب الدراري الموجود بالمكتبة الظاهرية بدمشق المحروسة بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى ورضي عنه: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسله صلى الله عليه وسلم تسليماً.
في وضع الجوائح في المبايعات والضمانات والمؤاجرات مما تمس الحاجة إليه وذلك داخل في قاعدة تلف المقصود المعقود عليه قبل التمكن من قبضه. قال الله في كتابه ) ولهذا حرم الله الميسر الذي منع بيع الغرر ومن الغرر ما يمكنه قبضه وعدم قبضه كالدواب الشاردة لأن مقصود العقد وهو القبض غير مقدور عليه. ولهذا تنازع العلماء في بيع الدين على الغير وفيه عن أحمد روايتان وإن كان المشهور عند أصحابه منعه وبهذا وقع التعليل في بيع الثمار قبل بدو صلاحها كما في الصحيحين عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الثمار حتى تزهى " قيل: وما تزهى قال حتى " تحمر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه " وفي لفظ أنه " نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن النخل حتى يزهو قيل: وما يزهو قال يحمار ويصفار " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الثمر حتى تزهو " فقلت لأنس: ما زهوها قال: تحمر وتصفر أرأيت أن منع الله الثمر بم تستحل مال أخيك وهذه ألفاظ البخاري. وعند مسلم " نهى عن بيع ثمر النخل حتى يزهو " وعند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه " قال أبو مسعود الدمشقي: جعل مالك والدراوردي قول أنس: أرأيت إن منع الله الثمرة - من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. أدرجاه يه ويرون أنه غلط. وفيما قاله أبو مسعود نظر. وهذا الأصل متفق عليه بين المسلمين ليس فيه نزاع وهو من الأحكام التي يجب اتفاق الأمم والملل فيها في الجملة فإن مبنى ذلك على العدل والقسط الذي تقوم به السماء والأرض وبه أنزل الله الكتب وأرسل الرسل كما قال تعالى ) وذلك أن المعاوضة كالمبايعة والمؤاجرة مبناها على المعادلة والمساواة من الجانبين لم يبذل أحدهما ما بذله إلا ليحصل له ما طلبه. فكل منهما آخذ معط طالب مطلوب. فإذا تلف المقصود بالعقد المعقود عليه قبل التمكن من قبضه - مثل تلف العين المؤجرة قبل التمكن من قبضها وتلف ما بيع بكيل أو وزن قبل تمييزه بذلك وإقباضه ونحو ذلك - لم يجب على المؤخر أو المشتري أداء الأجرة أو الثمن. ثم إن كان التلف على وجه لا يمكن ضمانه وهو التلف بأمر سماوي بطل العقد ووجب رد الثمن إلى المشتري إن كان قبض منه وبرئ منه إن لم يكن قبض وإن كان على وجه يمكن فيه الضمان وهو أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه فللمشتري الفسخ لأجل تلفه قبل التمكن من قبضه وله الإمضاء لإمكان مطالبة المتلف فإن فسخ كانت مطالبة المتلف للبائع وكان للمشتري مطالبة البائع بالثمن إن كان قبضه وإن لم يفسخ كان عليه الثمن وله مطالبة المتلف لكن المتلف لا يطالب إلا بالبدل الواجب بالإتلاف والمشتري لا يطالب إلا بالمسمى الواجب بالعقد ولهذا قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إن المتلف إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو ثالثاً أو يكون بأمر سماوي فإن كان هو المشتري فإتلافه كقبضه يستقر به العوض وإن كان بأمر سماوي انفسخ العقد وإن كان ثالثاً فالمشتري بالخيار وإن كان المتلف هو البائع فأشهر الوجهين أنه كإتلاف الأجنبي والثاني أنه كالتلف السمائي. وهذا الأصل مستقر في جميع المعاوضات إذا تلف المعقود عليه قبل التمكن من القبض تلفاً لا ضمان فيه انفسخ العقد وإن كان فيه الضمان كان في العقد الخيار. وكذلك سائر الوجوه التي يتعذر فيها حصول المقصود بالعقد من غير إياس مثل أن يغصب المبيع أو المستأجر غاصب أو يفلس البائع بالثمن أو يتعذر فياه ما تستحقه الزوجة من النفقة والمتعة والقسم أو ما يستحقه الزوج من المتعة ونحوها ولا ينتقض هذا بموت أحد الزوجين لأن ذلك تمام العقد ونهايته ولا بالطلاق قبل الدخول لأن نفس حصول الصلة بين الزوجين أحد مقصودي العقد. ولهذا ثبتت به حرمة المصاهرة في غير الربيبة.
|